«جسور بوست» يتقصى حقيقة إلغاء لقاح كورونا وإبادة جماعية للبشر تعمدتها "فايزر"
«جسور بوست» يتقصى حقيقة إلغاء لقاح كورونا وإبادة جماعية للبشر تعمدتها "فايزر"
«جسور بوست» يتتبع مصدر شائعة فساد لقاحات كورونا
التواصل مع شركة "فايزر" والكونجرس الأمريكي للتحقق من الشائعة
خبراء: اللقاحات ضمان بقاء البشرية والأمصال فاعلة والشائعات حروب اقتصادية
في عام 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على الجدري تمامًا من على وجه الكرة الأرضية، بعدما أودي بحياة 300 مليون إنسان في القرن العشرين فقط، وأبقى على ملايين المكفوفين والمشوهين، وكان السلاح الذي مكَّن البشرية من الانتصار في هذه المعركة الحامية هو "لقاح الجدري".
بعدها وعبر السنين طُوِرت اختراعات اللقاحات وصار عِلمًا وقفزة كبرى للبشرية على يد لويس باستور في ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث وضعت فيه أسس علم التلقيح والمناعة، وتمخض عن ذلك لقاحات لأمراض فتاكة حينها كداء الكلب والجمرة الخبيثة.
ورغم إثبات العلم مرارًا فاعلية وأمان التطعيمات، فإن كثيرين لم يستقبلوا فكرة اللقاحات بالترحيب، وعلى مر التاريخ جوبهت بالرفض والاتهامات تحت مزاعم أنها تتسبب في التوحد لدى الأطفال، وأخرى لأسباب دينية كالتدخل في مشيئة الله.
وحتى يومنا هذا، وسط أحداث اقتصادية متردية خلفها "كوفيد-19"، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا بمجموعة أخبار عن ملاحقة مدير "فايزر" بسبب المصل الذي حُقن به ملايين البشر لمجابهة "كورونا"، وصدور أمر اعتقال أو ملاحقة بحق رئيس الشركة بتهمة الإبادة الجماعية أو أن بريطانيا بادرت بإلقاء القبض عليه حسب ما ورد في منشورات متداولة.
وأثار خوف كثير من رواد السوشيال ميديا، ما تردد بشأن قيام محكمة العدل الدولية بإلغاء جميع أشكال التلقيح لـ"COVID-19"وبروتوكول منظمة الصحة العالمية، وأن الكونجرس الأمريكي منع على الذين عولجوا بالتلقيحات التبرع بالدم، الأمر الذي أثار صدمة رواد المواقع، ما دفعهم للتعبير عن خوفهم من تركيبة اللقاحات التي دخلت أجسادهم.
بالكاد استطاع رواد السوشيال ميديا التقاط أنفاسهم فور تأكيد الخبر بآخر عنوانه "شركة فايزر تعترف بالخديعة: نفذنا طلب الحكومة الأمريكية.. الكونغرس يحظر على الأمريكان الملقحين بفايزر التبرع بالدم".
الضربة القاضية جاءت مع انتشار فيديو لعضو مجلس النواب الأمريكي نانسي ميس، يعود تاريخه لفبراير 2023، تستجوب في جلسة خاصة مديرة الشؤون القانونية بتويتر فيجايا غادي، بشأن بذل "تويتر" جهدًا لكبت معلومات دقيقة عن "كوفيد-19".
وجاء في المنشور وهو عبارة عن صورة “محكمة العدل الدولية تحكم بإلغاء جميع أشكال التلقيح وتصنيعها وبيعها وإلغاء البروتوكول الصحي لمنظمة الصحة العالمية OMS وتضع عدة شخصيات تحت الملاحقة القانونية الدولية منهم المدير العام لشركة فايزر بتهمة الإبادة الجماعية وبريطانيا أول الدول التي تبادر بالتنفيذ الفوري”.
تتبع وتَقصٍ
"جسور بوست" تتبعت وتقصت حقيقة هذا الادعاء من خلال الموقع الرسمي لمحكمة العدل الدولية https://www.icj-cij.org/home، وبالعودة إلى قسم آخر القرارات، https://www.icj-cij.org/decisions، وبقراءة كل ما صدر من قرارات في الفترة ما بين 2020 حتى 2023، لم نجد أحكامًا صادرة بشأن هذا الإدعاء، أو أخرى تتعلق بملاحقة مسؤولين.
وبالتركيز على المنشور ومحتواه، وجدنا أن شعار محكمة العدل الدولية الوارد في المنشور مُغايرا للشعار الرسمي للمنظمة الدولية في صدر صفحتها الرئيسية.
كما أن اسم المحكمة المُدرج تحت الشعار باللغة الإنجليزية ليس الاسم الرسمي لمحكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وبالبحث والتتبع، لم نجد منشورًا واحدًا يقول إن منظمة الصحة العالمية ألغت البروتوكول الصحي الخاص بفيروس كورونا، وتبين أن المنظمة لم تنشر أي بيانات على موقعها أو عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد ذلك.
وبتقصي مواقع الأخبار العالمية، لم نجد أي وسيلة قامت بنشر أي أخبار عن صدور أمر اعتقال أو ملاحقة بحق رئيس الشركة بتهمة الإبادة الجماعية أو أن بريطانيا بادرت بإلقاء القبض عليه حسب ما ورد في المنشور المتداول.
ويعمل موقع خدمة الصحة الوطنية البريطانية" https://www.nhs.uk/ " لحجز مواعيد تلقي اللقاحات بصورة طبيعية، ما يعني أن بريطانيا لم تُوقِف تلقي اللقاحات.
مراسلات رسمية
تأكيدًا للخطوة السابقة تراسلت "جسور بوست"، مع الجهات المعنية عبر البريد الالكتروني ومواقعها الرسمية، وهذه الجهات كانت شركة "فايزر" بشأن الإدعاءات المنشورة، فلم يصلنا أي رد سوى رسالة إلكترونية تلقائية تفيد بتلقيهم للرسالة، وأننا قد لا نتلقى ردًا شخصيًا بسبب الحجم الكبير للرسائل التي يتلقونها، وربما قامت Pfizer بالاتصال بنا للحصول على مزيد من المعلومات.
كذلك تراسلت "جسور بوست" مع الموقع الرسمي للكونجرس الأمريكي بشأن إصداره أي قرارات تمنع من حصلوا على مصل كورونا من التبرع بالدم، ولم يصلنا رد إلى وقت كتابة تلك الأسطر، غير أن المواقع الإخبارية العالمية نفت الأمر.
ونشرت مواقع عالمية أخرى أن الخبر كاذب، ووجد بالضغط على الرابط فيه، فإنه يأخذك إلى صفحة فرعية في موقع اسمه "كومون لو دوت إيرث" (commonlaw.earth)، فيها المزاعم الكاذبة، وهذا الموقع ليس له علاقة بمنظمة العدل الدولية أو أي منظمة دولية.
والموقع صاحب المزاعم أسترالي، وله صفحة خاصة بالمملكة المتحدة، تدخل منها إلى صفحة خاصة بكندا، لكنها لا تعمل.
البيان الكاذب موقّع من شخص اسمه كيفن أنيت، تحت مسمى "محكمة العدل الدولية للقانون العام" (The International Common Law) (ICLCJ) (Court of Justice)، ووفقا لتقرير أجرته رويترز فإنها ليست هيئة معترفا بها قانونيا، وهي من اختراع كيفن أنيت، وهو قس سابق أُبعد من منصبه في عام 1997 لنشره نظريات المؤامرة.
القصة من البداية
بين حين وآخر كان كثير من رواد التواصل الاجتماعي يدونون عن خطورة التلقيح ضد فيروس "كورونا"، ومؤخرًا زادت الأمور حدة وخطورة بتدوين بعضهم عن صدور أوامر جهات مهمة كمحكمة العدل الدولية بإلغاء البرتوكول الصحي لمنظمة الصحة العالمية، وأخرى تتعلق بشركة فايزر.
فدون هشام غيث على صفحات فيسبوك يقول: "الحمدلله، أنا ولا اتطعمت ضد كورونا، ولا اعترفت بالتطعيم، ولا سألت فيه، محكمة العدل الدولية- لاهاي (International Common Low Court Of Justice) حكمت بإلغاء جميع أشكال التلقيح، وتصنيعها، وبيعها، وإلغاء البروتوكول الصحى لمنظمة الصحة العالمية OMS، ووضعت عددا من الشخصيات تحت الملاحقة القانونية الدولية، منهم المدير العام لشركة فايزر، بتهمة الإبادة الجماعية، وبريطانيا أول الدول المبادرة بالتنفيذ الفوري، الكونجرس الأمريكي يحظر على الأمريكان، الذين تلقوا لقاح Covid-19 التبرع بالدم، واعتبار ذلك جنحة، مع غرامة قدرها 500 دولاراً، للتبرع أو قبول التبرع من الملقحين.
وقد اعترفت محامية شركة فايزر رسمياً أمام القضاء الأمريكي بممارسة الخديعة على الجميع، وأضافت أن الشركة لم تخدع أحداً، ولكنها نفذت الخديعة التي طلبتها منها الحكومة الأمريكية، وأنها لم تختبر قدرة لقاح كورونا الخاص بها على منع العدوى قبل طرحه في السوق العالمي.
وذكرت أن الشركة لم تدعِ خلال التجارب السريرية أن اللقاح يمنع انتقال العدوى، بل يقلل من احتمالية نقلها مما يساعد على منع تفشي الوباء..مهزلة، منقول من وكالات أنباء عالمية- هشام غيث".
ونشرت كثير من المواقع العربية والغربية عن تخوفات رواد السوشيال ميديا، وبعضهم انساق وراء الأمر دون تتبع وتقصي حقيقته.
اللقاحات ضمان بقاء ملايين البشر
من جانبه، قال مدير مركز الحساسية والمناعة بالمصل واللقاح في مصر، أمجد الحداد، إن اللقاحات على مر العصور هي السلاح الذي قضى على الأوبئة، وشركات الأدوية وعلى رأسها فايزر هي من أنتجت لقاحات لعلاج أمراض كثيرة، فما الداعي الآن أن تصنع ما يُبيد البشرية، اللقاحات مصنعة بطرق طبية وجينية وتقنية الـ"ماسينجر أر إن أ"، وثبت فاعليتها علميًا وتم مراجعتها في مدارس علمية وبحثية فلا مجال للتشكيك.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": "إذا شككنا في فكرة لقاح كورونا إذاً نحن نُشكك في فكرة اللقاحات عمومًا ونضر بالبشرية بتركهم للأمراض والأوبئة دونما علاج، فلو تركنا المريض لمناعته ستحدث وفيات بالملايين على مستوى العالم، فكانت فكرة اللقاحات هي تقوية المناعة، خاصة للمعرضين للإصابة أو لضعاف المناعة ولكبار السن، بالفعل اللقاحات هي من قللت نسب الوفيات حول العالم وبسبب منظومة اللقاحات تم تحجيم كورونا، وفايزر من الشركات المحترمة في مجال صناعة الأدوية واللقاحات".
وعن الهدف من تلك الإشاعة قال إن جزءا منها حرب اقتصادية بين الشركات وصراع بين الدول.
حرب الشركات
وعلق الخبير الاقتصادي، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، الدكتور رشاد عبده بقوله، إن محاولة الشركات الاستفادة من أي حدث أمر ليس بجديد، وغالبًا تحدث حروب بين الشركات والحكومات وتكون الشائعات جزء منها، ففي بداية انتشار فيروس كورونا كنا نقرأ تحليلات وتقارير ترى أن هذا الفيروس سيتسبب في صعود حكومات وموت أخرى، وأن الفيروس ذاته من صنع بعض الشركات، وهي أمور غير صحيحة، فمن لديه المقدرة الإنفاقية على الأبحاث والشركات هي الدول الكبرى، ومشكلتها الوحيدة هي أنها اختصت لنفسها باللقاحات وأرادت الكسب من ذلك، فنشأت حروب، واستفادت أمريكا من ذلك، لكن دول أخرى كبرى لجأت إلى صناعتها مثل روسيا والصين والهند لتحقيق اكتفاء ذاتي لشعوبها، ثم الاستفادة ماديًا لدرجة أن بعض الدول اشترطت على من يسافرون إليها أخذ أمصال معينة.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": لكن مسألة عدم كفاءة الأمصال هذا ادعاء وكذب، وإلا لما شفي الناس وتضاءلت معدلات الإصابة بكورونا ولما استطاع العالم تحجيمه وكأنها نوبة إنفلونزا، ولذا نرى دفاعا مستميتا من جانب شركات معينة عن أمصالها وهكذا حكومات، وهذا هو "البيزنس"، من السهل الترويج للإشاعات.
القانون يُجرم الشائعات
ومن الناحية القانونية علّق أستاذ القانون والخبير الدولي مصطفى السعداوي قائلًا، إن التشريعات في مجملها سواء المشرع الإنجليزي أو الفرنسي أو الإيطالي أو غيرها، تصدت بحزم لمثل هذه الشائعات خاصة أنها تستغل الوسائط الإلكترونية والتي تضمن سرعة انتشار الشائعة، وتصدت لها بتشريعات سالبة للحرية، قد تصل إلى سنوات، ونشر شائعات تخص الجانب الطبي بما يؤدي إلى التكدير السلمي والأمن العام الدولي، فينعقد الاختصاص للقضاء المحلي أولًا، فإذا كان مصدر الشائعة بريطانياً فيمثل الجاني أمام القضاء البريطاني وفقًا للقانون البريطاني، وهكذا.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، المشرع المصري تعرض للأمر أيضًا واعتبر الأمر جريمة وعاقب عليه وفقًا لنص المادة 188 من قانون العقوبات وفرض عليه عقوبة تصل إلى 20 ألف جنيه والحبس مدة لا تتجاوز سنة كل من نشر بسوء قصد أخباراً أو إشاعات كاذبة، أو أوراقاً منسوبة كذبًا للغير إذا كان من شأنها تكدير السلم العام أو إشاعة الفزع بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، ونرصد أيضًا في المادة 80 عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات.